مقال مترجم للصحفي الانكليزي دايمين رايلي
يتحدث دايمين رايلي مع الدكتور سلطان أحمد الجابر، الرئيس التنفيذي لمبادرة "مصدر"، وهو المشروع العملاق الذي تقوم به مدينة أبو ظبي باستثمار مفهوم الطاقة الصديقة للبيئة الذي يشكل اليوم ثورة في عالم استخدام الطاقة النظيفة.
" ليس هناك رومانسية بيننا وبين الأشجار". هي جملة يقولها الدكتور سلطان أحمد الجابر لنا في نهاية حوارنا معه، وهو بحق رجل يستحق الاحترام. إن هذا الرجل هو العقل المدبر لمبادرة مدينة أبو ظبي البعيدة المدى "مصدر"، وكثير من الأخصائيين البيئيين يصفونه بالمنقذ القادم لكوكبنا الأزرق. لكن حقيقة الأمر هي أبسط من ذلك.
لن تكون إمارة أبو ظبي مستعدة للتخلي عن موقعها الاستراتيجي باعتبارها مصدّراً رئيسياً للنفط بعد جفاف مصادر الطاقة المتوقع في المستقبل والذي سوف يتبعه تحول دول العالم إلى الاستفادة من الطاقات المتجددة، مثل طاقة الشمس والرياح. ولذلك سوف تكون تلك المبادرة، وهي التي تجمع أفضل العقول والتقنيات العالمية المناصرة للبيئة في الإمارة، مجمعاً عصرياً نظيفاً أشبه ما يكون بعالم الفضاء. وهي تعتبر بلا شك محاولة جادة سوف تضع أبو ظبي على مقدمة البلدان التي تعمل جاهدة للاستفادة من الطاقات النظيفة، وهذا في وقت يكون قد انتهى فيه عصر الاعتماد على النفط والثروات الباطنية.
وليست مبادرة "مصدر" التي تنفق عليها حكومة أبو ظبي أكثر من خمسة عشر مليار دولار مجرد مشروع على الورق. وإنه من الخطأ بمكان أن نعتقد أن الأرباح البيئية هي مجرد صدفة سعيدة، لكن التخصيص المالي لها هو قانون عصرنا هذا. إنه لأمر رائع أن نرى التجانس العجيب بين البراغماتية الاقتصادية الباردة والمثالية البيئية المستقبلية والمفعمة بالنشاط.
تملك أبو ظبي 10% من احتياطات العالم النفطية. ويقول الدكتور الجابر بأن فكرة جعل الإمارة مركزاً عالمياً للبحث العلمي والتطوير في مجال الطاقة النظيفة نبعت من إدراكه للبطء الشديد الذي كان يحدث في هذا المجال، بالإضافة إلى رؤيته للأبحاث المفككة والمنقوصة التي يقوم بها العلماء حول العالم.
ويتوقع الجابر أن تتسارع عجلة تطور هذا المشروع بشكل ملحوظ، خاصة وأن هناك هدف بجعل العاصمة أبو ظبي "وادي السليكون المتخصص في أبحاث الطاقة المتجددة". لكن ما هي السمعة التي سوف تجنيها أبو ظبي بوصفها الحاضنة المستقبلية لتلك المشاريع الثورية؟ لا بد وأن الإمارة ستمحو تلك الصورة المعروفة عنها بأنها واحدة من أكثر مدن العالم تلويثاً للبيئة.
ما الذي حفزكم للقيام بمبادرة "مصدر"؟ ولماذا المباشرة بهذا المشروع الآن؟
اتخذت حكومة أبو ظبي قبل سنتين قراراً شجاعاً وتاريخياً بإطلاق برنامج تطوير اقتصادي جديد يأخذ على عاتقه مهمة خلق قطاع اقتصادي جديد. وسميت هذه المبادرة الجديدة "مصدر"، وهي مبادرة إستراتيجية مهمة جداً لحكومة أبو ظبي وتهدف إلى تحقيق أربع نقاط:
1- العمل على تحقيق التنويع الاقتصادي في اقتصاد إمارة أبو ظبي.
2- وضع أبو ظبي على الخارطة العالمية في مجال التطوير التكنولوجي حتى تصبح مصدّرة للتقنيات والتكنولوجيا العالية في المستقبل.
3- الحفاظ على المركز الذي حققته الإمارة في أسواق الطاقة العالمية، والتطلع إلى توسيع هذا المركز ليشمل حقبة ما بعد استخراج الثروات الباطنية، والسعي إلى ضمان الحفاظ على دورنا الهام كمركز طاقة عالمي. ونحن نستثمر الموارد الباطنية لتأمين مستقبل مشرق للأجيال القادمة.
4- تطوير القدرات والموارد البشرية، والاهتمام بالتنمية المستدامة.
وربما يتوارد السؤال التالي إلى الذهن: "لماذا الآن؟". تدرك إمارة أبو ظبي أن أسواق الطاقة العالمية تتطور بشكل مستمر، وهذا التطور يشهد نمواً كبيراً في مجال الطاقة الدائمة. ولكن هل يمثل هذا النمو خطراً أم فرصة تستفيد منها الإمارة؟ نحن نؤمن أن هذه فرصة كبيرة يمكن للمدينة أن تستغلها. وأنا أؤكد لك أنه إذا استطاعت أبو ظبي أن تستغل هذه الخبرة الكبيرة في مجال الطاقة التي اكتسبتها خلال الخمسين عاماً الماضية، بالإضافة إلى الاستفادة من الموارد المالية العظيمة التي تملكها الإمارة، فإن أبو ظبي ستصبح لاعباً مهماً في مجال الطاقة على مستوى العالم.
وهناك سبب آخر للقيام بهذه الخطوة. لقد شرع سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وهو مؤسس أبو ظبي، بسياسة للوصول إلى وقف الانبعاثات الغازية الضارة قبل 25 عاماً. وقد شكل هذا جزءاً من اهتمامه بالبيئة، وهو الذي أشرف على المزارع الشاسعة في أبو ظبي. لذلك فإن اهتمامنا الكبير بالطاقة المتجددة هو متابعة للإرث الحضاري الذي بدأه الشيخ زايد.
تعتبر دولة الإمارات اليوم ملوثاً كبيراً للجو. ولم تنتبه دبي لموضوع الاستفادة من الطاقة المتجددة والنظيفة إلا مؤخراً. هل تعتبر أبو ظبي سباقة في مجال الاهتمام بالبيئة؟
تقع قضية البيئة على قائمة الأمور التي نوليها اهتماماً كبيراً، والآن فقط بدأت أبو ظبي بدمج هذه القضية في مشروعاتها العقارية. وتقوم الإمارة الآن بأخذ الطرق الصحيحة للوصول إلى أساس متين. ولهذا قامت أبو ظبي بتطوير "المخطط الإطاري للبنية العمرانية" لعام 2030 والذي يولي قضية البيئة أهمية قصوى.
ماذا عن المناطق الصناعية التي تقوم أبو ظبي ببنائها الآن؟ هل ستكون هذه المناطق "صديقة للبيئة"؟
سوف تكون مدينة "مصدر" نموذجاً مختلفاً. لكن جميع المناطق التي نطورها حالياً ستأخذ أمر البيئة بعين الاعتبار.
إذا نظرت الآن إلى الإحصائيات العالمية ستجد أن أكثر دول العالم تلويثاً، حسب معدل الفرد، هي الولايات المتحدة والصين والإمارات.
أعتقد أن هذه ليست مقارنة عادلة.
هل تعتقد أن هذه الإحصائيات سوف تكون قد تغيرت بعد عشرة سنوات؟
نعم بالتأكيد سوف تتغير.
هل هناك أي مشروع مماثل لمدينة "مصدر" في العالم؟ هل هناك منافس لهذا المشروع؟
إن "مصدر" هي المبادرة الوحيدة الأكبر في مجال الطاقة النظيفة، وهي أكبر استثمار تقوم به أي حكومة في العالم في هذا المجال. نحن نريد أن نستلم دفة القيادة في حقل كهذا، ونريد أن نكون مصدر إلهام للعالم أيضاً.
هل يمكنك أن تعطيني فكرة عن تكاليف المشروع؟ تتناقل التقارير أنه يكلف بين 15 إلى 22 مليار دولار.
هناك بعض اللبس. لقد أعلن سمو الأمير ولي العهد في القمة العالمية الأولى للطاقة المستقبلية، التي نظمتها ورعتها أبو ظبي، عن مبلغ 15 مليار دولار لمبادرة "مصدر" على مدى عدة سنوات. وسيتم استثمار هذا المال في النشاطات التعليمية ونشاطات البحث والتطوير والاستثمار في الشركات العالمية وبعض الشركات التي نعتزم شراءها، بالإضافة إلى تأسيس بنية تحتية لمشاريع الطاقة المتجددة في الإمارات وخارجها. كما سوف يستخدم هذا المال في دعم تطوير "مدينة مصدر".
وهل سيتواجد الاستثمار الأجنبي أيضاً؟
نعم سيتواجد.
وكيف يسير هذا الاستثمار؟
لن أتكلم الآن عن هذا الموضوع لأنه سري في المرحلة الحالية. لكن أستطيع أن أقول لك أن الاستجابة من الشركات العالمية كانت جيدة جداً وتجري الأمور كلها بسرعة غير متوقعة.
هلا تقول لنا إن كان هذا الاستثمار من هيئات خاصة أو جهات حكومية؟
لقد عرضت علينا جهات حكومية الاستثمار في هذه المجال، لكننا في الحقيقة نبحث عما يسمى "المال الذكي" (وليس "المال الغبي") لاستخدامه في هذه المشروع، وأرجو ألا تسيء فهمي هنا. نحن نبحث عن مال ذو قيمة عالية، وهذه القيمة هي التي تستقطب التكنولوجيا العالية والخبرات. لذلك ليس هدف أبو ظبي الحصول على المال وحسب.
ما هي أنواع الطاقة المتجددة التي تبحثون عنها؟ وما هي المجالات الأكثر أهمية؟
تعتبر طاقة الشمس والرياح أكثر الفرص التي تستحق الاهتمام اليوم. وباستخدام هذه المشاريع، فنحن نضع رأس المال والخبرة لكي نساعد في تقدم هذه التكنولوجيا والإسراع في تبنيها وتقليل الكلفة على قدر المستطاع. ولا يرتكز طموحنا في الإسراع في إبعاد العالم عن ثروات النفط الباطنية، لكننا رابحون على كل الأحوال لأننا نبحث عن حلول جديدة وعصرية لاستكمال مواردنا الطبيعية من النفط والغاز، ولا شك بأنها ستساعد على إطالة عمر هذه الموارد.
ما هي الطاقات التي تعتقد أنها سوف تحل محل النفط والغاز لتصبح المورد الرئيسي للطاقة؟ طاقة الرياح أم الطاقة الشمسية؟
ولا واحدة من التي ذكرت، وهذا لوقت طويل من الآن. ولكن في آخر الأمر، من المحتمل أنها ستكون الطاقة الشمسية، لكن هذا لن يحدث قبل وقت طويل جداً، ربما بعد قرن. لقد كانت الطاقة الشمسية متواجدة منذ بدء الحياة، لكن لم يقم أحد بالاستفادة من هذه الطاقة. ولقد كان التقدم في هذا المجال محدوداً جداً، ونحن نريد الإسراع في استغلاله.
ليس بمقدور أي دولة في العالم الاعتماد على مورد واحد للطاقة، وليس هناك اختيار في هذا الموضوع. سوف يتحتم على دول العالم تطوير أنواع متعددة من الطاقة، وعلينا أن نوفر لشعوب العالم سلة متنوعة من مصادر الطاقة لكي تلبي كافة احتياجاتهم.
ماذا عن الطاقة النووية؟
آسف، لا يوجد لدي تعليق.
عندما يتحقق التغيير في التوجه إلى الطاقة المتجددة عوضاً عن الطاقة التقليدية، ما الذي يوقف الدول أو المنظمات من نسخ البحث الذي تم في أبو ظبي؟ فعلى كل الأحوال، يعتبر النفط هو السلعة القيمة وليست الأدوات التي يستخرج بها هذا النفط.
سوف يكون لدينا الحق في الملكية الفكرية. إن إمارة أبو ظبي إمارة أصيلة، ولن نحجب ما نملكه عن العالم. إننا نهدف إلى تقليد هذه التقنيات ونشرها على مستوى العالم. نحن نريد أن نكون مصدرين للطاقة، ومفهوم الطاقة أوسع بكثير من النفط والغاز.
لكن بالتأكيد أنكم لن تصدروا الطاقة الشمسية؟ سوف تصدّرون الألواح الشمسية وليس الطاقة الناتجة عن الألواح الشمسية؟
إذا تواجدت شبكة اتصالات فسيكون بالإمكان إنتاج الطاقة الشمسية وإدخالها إلى اللوحة وتصديرها إلى بلدان العالم.
وماذا عن طاقة الرياح والطاقة البحرية؟
مادام هناك اتصال باللوحة يمكن تصدير الطاقة على الدوام.
متى ستنتهي مدينة "مصدر"؟
سيتم تطوير مدينة "مصدر" على فترة ثمان سنوات في سبعة مراحل. ومن المفروض أن تنتهي المرحلة الأولى في نهاية 2009، وهذه المرحلة تعتبر مركز البحوث الذي نطوره مع "معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا". ويجب الانتهاء من المدينة بأكملها في العام 2016. وسيعيش فيها 40000 نسمة، وسينتقل 50000 نسمة من المدينة وإليها. وهي مشروع تطوير متعدد الأنواع حيث يضم مناطق سكنية وتجارية.
هل تصف نفسك بأنك مناصر للبيئة؟
(بعد تفكير) لقد كنت دائماً على وعي بالمسائل البيئية، لكننا ننظر إليها الآن من منظور مختلف. ليس هناك رومانسية بيننا وبين الأشجار (يضحك)، لكننا ننظر إلى هذا المشروع من منطلق اقتصادي.
هلا تشرح لنا بكلمات قليلة ما هو مشروع "مصدر"؟
تقوم إمارة أبو ظبي من خلال مبادرة "مصدر" بفتح المجال أمام التعاون الدولي من أجل التعامل مع القضايا الرئيسية التي هي على رأس اهتمامات حكومة أي دولة. هذه القضايا هي: أمن الطاقة والتغير المناخي وتنمية الطاقة المستدامة.
No comments:
Post a Comment