Sunday, July 27, 2008

دبي وجنون الإيجارات!

مقال مترجم للمحلل فيليب فينتون

يهيمن حديث الإيجارات بين سكان دبي هذه الأيام. وعلى الرغم من أن اقتصاد دبي لازال فتيّاً، تنافس أسعار إيجارات العقارات في دبي نظيراتها في مدن العالم الكبرى. فيليب فينتون يحقق هنا في هذا الموضوع.

يقول المثل: "هناك ثلاث أكذوبات: أكذوبة عادية، وأكذوبة ملعونة، والإحصائيات".

أما الكوميدي البريطاني فيك ريفز فيقول: "أكثر من ثمانين بالمئة من الإحصائيات ملفقة". بالطبع يحاول الكوميدي هنا أن يتظارف، لكنه محق في بعض الأحيان، خاصة فيما يتعلق بالإحصائيات التي تنشر في دول الخليج العربي. ربما كان الحق على خطوات النمو المتسارعة في الخليج، لكن من الصعب أن نعرف الإحصائيات التي يمكن الوثوق بها.

تصدر المؤسسات الرسمية أيضاً أرقاماً إحصائية أقل ما يقال عنها أنها محيرة. ففي يوليو، خفضت دولة الإمارات توقعات نسبة نمو الناتج المحلي في العام 2007 إلى 5،2% من الرقم السابق الذي بلغ 7،6%، قبل أن ترجع عن كلامها في نفس اليوم وتحافظ على توقعاتها بنسبة نمو تبلغ 7،4%.
ولا ينطبق هذا الأمر على الإمارات فقط. فقد ضاعفت قطر من نسبة نمو الناتج المحلي في العام 2007 إلى 25% من الرقم السابق الذي بلغ 12% والذي نشرته في مارس الماضي.

وتنقل وكالة رويترز أن بعض الأخصائيين الاقتصاديين لم يعودوا يثقوا بالمعلومات الإحصائية الاقتصادية الرسمية، لكنهم الآن يعتمدون على أرقام مثل أداء قطاع البنوك وإصدارات الديون. ومع ذلك، يتم إعادة إصدار بعض الإحصائيات وكأنها أرقام رسمية، ولا يبذل أي جهد للتحقق من مصادر تلك المعلومات ومدى دقتها.

ووفقاً للأرقام الشائعة حالياً، تملك دبي ما تبلغ نسبته 25% إلى 50% من الرافعات في العالم أجمع. لكن الحقيقة غير ذلك، حتى أن الرقم الحقيقي ليس قريباً!

ويستشهد كارل بياليك، أخصائي الإحصائيات في صحيفة "وول ستريت جورنال"، بتقديرات مجموعة "مانيتوك كراين" للرافعات أنه يوجد في دبي 800-1000 رافعة من بين حوالي مئة ألف رافعة متواجدة حول العالم. وبذلك نجد أن حصة دبي من الرافعات تبلغ 1% فقط، حيث يعد هذا رقماً متخيلاً نظراً إلى عدم وجود رقم دقيق بعدد الرافعات في العالم. ومع ذلك، ما تزال مصادر معروفة، مثل شركة "مورغان ستانلي" وصحيفة "نيويورك تايمز"، تستخدم هذه الأرقام غير الصحيحة في تقاريرها.

أما الشيء الذي يجعل سكان دبي، الذين ما فتئوا يعانون في دفع مستحقات إيجارات السكن، مغتاظين حقاً هو القول بأن العقارات في دبي هي رخيصة بالنسبة للمعايير الدولية. وعلى عكس الزعم الشائع حول الرافعات، فمن السهل تصديق هذا القول. وقلّما يمر يوم على الإعلام الإماراتي من دون أن تنشر مقالات تمتدح وتمجّد التطور الحاصل في قطاع العقارات. وتجدر الملاحظة هنا أن أولئك الذين يكتبون تلك المقالات هم أنفسهم المطورون العقاريون والمضاربون بشكل حصري تقريباً. لابدّ وأن هؤلاء يعرفون جيداً ما يجري في سوق العقارات، ولكن يجب الانتباه إلى الانحياز الواضح الذي تبديه مقالاتهم، وهذا بحق ما يخدم مصالحهم.

وقد قرر أحد الخبراء الذي أمضى أربعة عشر عاماً في أسواق المال، أن يجري بحثاً بنفسه حول حقيقة الإيجارات وينشر نتيجة أبحاثه على موقعه الشخصي: (journalofrealdubai.blogspot.com). وقد قام الخبير بهذه المبادرة لأنه لم يكن راضياً عن المناقشات أحادية الجانب التي تجرى حول هذا الموضوع. واتفقت مجلتنا على عدم نشر اسم الخبير لأنه يعمل في قطاع العقارات كمدير تنفيذي في إحدى أكبر الشركات المالية في الشرق الأوسط.

يقول الخبير: "أردت أن أجري بحثاً معمقاً وأستخدم مهاراتي التقنية لأرى بدقة طريقة نشر الأرقام والإحصائيات المالية هنا في الإمارات". وبمقارنة أسعر الإيجارات في مدن كبيرة حول العالم، بحث خبيرنا هذا في المزاعم التي تقول بأن دبي رخيصة بالمقارنة مع المعايير العالمية.

وبالنتيجة، هناك بعض الحقيقة في المزاعم المنتشرة. فبحسب أرقامه التي جمعها من خمس إلى ثمان شركات عقارية في كل مدينة، وطلب ثلاث إحصائيات حول أسعار إيجارات شقق الستوديو وصولاً إلى أسعار الفلل، فقد وجد أن دبي هي بالفعل أرخص من المدن الباقية.
يصل سعر الإيجار الشهري لشقة ستوديو في مدينة لندن إلى 2050 دولار، وفي طوكيو 3475 دولار. أما في دبي فأعلى سعر لتلك الشقق التي شملتها الدراسة وصل إلى 1800 دولار في الشهر. لعمري هذه أخبار سارة إلى الآن.

لكن مهلاً، لم ننته بعد. يقول خبيرنا: "تملك دبي الرقم الأعلى "للحد الأدنى من الإيجار" بين كل المدن الكبيرة حول العالم، خاصة فيما يخص أسعار شقق الستوديو". ويصل أرخص إيجار شهري لشقة ستوديو في دبي في الدراسة إلى 850 دولار. أما في لندن فيصل إلى 675 دولار، وفي طوكيو، التي تملك أعلى "حد أقصى للإيجارات" بين كل المدن المشمولة في الدراسة، إلى 450 دولار في الشهر.

ويجب ملاحظة أن الشقق في دبي هي في العادة أكبر من مثيلاتها في طوكيو التي تعد الشقق فيها صغيرة بشكل ملحوظ. لكن في نهاية الأمر، ليس الحجم مهماً في طوكيو بل الأهم هو امتلاك منزل أو ملاذ للراحة بعد يوم طويل عوضاً عن التفكير في عدد الزوار الذين يمكن استقبالهم حول طاولة العشاء. وهناك فارق مهم أيضاً، حيث تنعدم ضرائب الدخل على الأجور في الإمارات، وهذا ما يعني نظرياً على الأقل أن سكان الإمارات يستفيدون من مداخيلهم بالكامل بالمقارنة مع سكان المدن الأخرى.
ويقدر الموقع الالكتروني (payscale.com) الراتب السنوي لمحاسب في دبي بحوالي 60000 درهم، بالمقارنة مع 146،800 درهم في نيويورك. وحتى بعد اقتطاع ضريبة الدخل من هذا المبلغ، يظل راتب المحاسب في نيويورك ضعف ذلك في الإمارات. وبحسب الموقع الالكتروني ذاته، فإن أي مدير تسويق قد بدأ عمله للتو يجني سنوياً 150000 درهم في دبي، مقارنة مع 270000 درهم قد يجنيها المدير نفسه في طوكيو. وبعد اقتطاع ضريبة الدخل البالغة ثلث الراتب تقريباً، لا يزال صافي الراتب في طوكيو أعلى منه في دبي.

وتتفاقم المشكلة أيضاً لأن الطلب يفوق العرض في السوق، وهذا ما يمنح المالكين الحرية بطلب الإيجارات على مدى ثلاث دفعات في السنة، أو دفعتين، أو دفعة واحدة عن السنة كلها. وفي الحقيقة، يصرح خبيرنا بأن 60% من العقارات المتوفرة للإيجار في دبي تطلب الدفع المقدم لإيجار السنة بكاملها. يقول الخبير: "لقد اخترت ببساطة إعلانات العقارات المنشورة في صحيفة "جولف نيوز" واستنتجت نسبة 60% المذكورة".

يتابع الخبير: "لدي أيضاً أصدقاء يعملون كوسطاء عقاريين وسألتهم عن هذا الموضوع. وقد قال أحدهم أن 65% من الإيجارات تكون عن السنة لكاملها، بينما قال آخر أن النسبة هي 52%. أما النسب الباقية فهي 30% من إيجارات العقارات تدفع مرتين في السنة، و 10% تدفع لثلاث مرات أو أكثر".

وتعترف إيلين جونز، المديرة التنفيذية لشركة "أستيكو" للإدارة العقارية، أن العديد من الملاّك يرغبون بالحصول على الإيجار الكامل مسبقاً، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد استثناءات. تقول جونز: "ليس هناك قاعدة محددة، فكل شيء قابل للتفاوض. هناك بعض الملاّك الذين يأخذون الإيجار بشكل شهري ولكن بسعر أكبر قليلاً".

ومن بين المدن السبعة المشمولة في الدراسة، كانت دبي المدينة الوحيدة التي يدفع فيها الإيجار عن السنة بكاملها. لكن حتى الدفع على شكل ثلاث مرات في العام لا يناسب العديد من العمال الذين لا يستطيعون دفع أكثر من 2500 درهم. ويعني هذا أن على العامل أن يدفع أكثر من 3000 درهم في الشهر حتى قبل أن يكون قادراً على شراء الطعام أو تجهيزات المنزل. ولذلك يقوم العديد من العمال بمشاركة السكن مع أصدقائهم أو زملائهم أو حتى مع الغرباء.

مهلاً فهناك المزيد. من بين المدن السبعة في الدراسة، تعد دبي المدينة الوحيدة التي يحظر فيها على الأشخاص غير المتزوجين مشاركة السكن مع بعضهم البعض. وقد أصدرت بلدية دبي هذا العام أكثر من 1800 أمر إخلاء لعزّاب يسكنون بشكل غير قانوني في فلل سكنية، حيث تم الكشف عنهم خلال حملة تفتيش. وأخبر الناطق باسم البلدية صحيفة "ذي ناشيونال" أنه تم قطع الماء والكهرباء عن أكثر من 250 فيلا. وقد صدرت أوامر إخلاء أيضاً إلى العزاب الساكنين في مبانٍ سكنية في منطقة الكرامة.

وتبرر بلدية دبي تلك الأوامر بوجود المشاكل البيئية وانعدام السلامة والمنافع العامة التي تكتظ بالسكان بالإضافة إلى سوء البنية التحتية، على الرغم من اعترافها المسبق بأنه لا يوجد قانون يحظر مشاركة السكن بين العزاب. وقد اضطر العديد من أولئك أن ينتقلوا إلى إمارات أخرى للبحث عن سكن مناسب لهم، بالرغم من أن مشكلة دبي المذكورة تصبح تدريجياً مشكلة جميع الإمارات.
فقد ارتفعت أسعار الإيجارات في مدينة أبوظبي بنسبة 49% في العام المنصرم، حسب شركة "أستيكو"، وباتت أسعار العقارات المملوكة بشكل حر تلاحق أسعار مثيلاتها في دبي للمرة الأولى. ويعتبر نقص العقارات المتوفرة شديداً حتى أن "ذي ناشيونال" نقلت أخباراً عن أشخاص خصصوا ميزانيات سنوية للإيجار تبلغ 240000 درهم وقد أجبروا على العيش في فنادق لأنهم لم يتمكنوا من العثور على سكن بغض النظر عن المبلغ الذي كانوا مستعدين لدفعه.

يقول فادي عنتر، مدير العمليات في شركة الوساطة العقارية "بيتر هومز": "يفوق الطلب العرض في أبوظبي، مما يقود إلى ارتفاع الأسعار أيضاً". وتقدر غرفة تجارة وصناعة أبوظبي أن هناك حاجة إلى 8000 وحدة سكنية إضافية لتلبية الطلب، ويتوقع أن يرتفع الرقم إلى 20000 في نهاية العام.
وتبقى الإمارات الشمالية رخيصة مقارنة بغيرها. لكن هناك علامات استفهام حول صلاحية البنية التحتية ومدى جاهزيتها لاستقبال سكان دبي المهاجرين منها، ناهيك عن الأربعمئة ألف عامل المطلوبين لتحويل طموحات عجمان ورأس الخيمة إلى حقيقة. وهكذا يضاعف العمال وحدهم من عدد السكان الإجمالي لتلك الإمارات.

وقد أخبر الملازم عبد الله السيف العامل في رأس الخيمة صحيفة "ذي ناشيونال": "لم نكن أبداً نرجو أن تحدث تلك التطورات الجارية مؤخراً في الإمارة". وتملك رأس الخيمة 500 شرطي فقط.
وقد بدأت الإمارات الشمالية تخرّ قواها، حيث تحدث انقطاعات كهرباء متكررة في إمارة رأس الخيمة، وترد أخبار بأن العديد من المباني لا زالت خاوية منذ أشهر لأنها تنتظر أن يتم إيصالها إلى شبكات الخدمات. أما إمارة عجمان أعلنت عن خطط لبناء أول محطة توليد كهرباء تعمل على الفحم في منطقة الخليج العربي التي تخبئ تحت أراضيها حوالي ثلثي احتياطات العالم أجمع من النفط.
ومن المعروف أن الطلب يستمر في تفوقه على العرض في أسواق العقارات الإماراتية، مسبباً في الوقت ذاته ارتفاع أسعار العقارات. وعلى عكس مدينة لندن المحاطة بحزام أخضر من الغابات التي لا يمكن البناء فوقها، أو مانهاتن الواقعة على جزيرة، لا زال هناك الكثير من المساحات الشاسعة في دولة الإمارات لبناء عقارات جديدة عليها.

ولا يتوقع أن يساوي حجم المعروض الطلب الضخم على العقارات نظراً لتأخيرات البناء ونقص المواد الأساسية، على عكس ما توقع البعض أن العرض سيلبي الطلب في بداية هذا العام. ولازالت الرؤية ضبابية حول هذا الموضوع ومتى سوف يحصل. وقد أخبر بشار الناطور، وهو مدير في وكالة "فيتش رايتنغز"، قناة "بلومبيرغ" التلفزيونية: "هناك احتمال أن يفوق العرض الطلب إذا تم تسليم مشاريع البناء في مواعيدها، واحتمال آخر بالمخاطرة التي تكمن في عدم تمكن الشركات العقارية من تحفيز الطلب في ظل مشاريع التطوير الضخمة في السوق".

لكنه أشار أيضاً إلى أن نصف العقارات قيد البناء في دبي تتحكم بها مؤسسات حكومية، حيث يقول الناطور: "نشعر أنه من الصعوبة تخيل أن هذه الشركات العقارية سوف تغمر الأسواق".

No comments: